اشتهر" سالزبوري " وهو أحد لوردات ابريطانيا بمقولة مفادها " لا تتق أ...
اشتهر" سالزبوري " وهو أحد لوردات
ابريطانيا بمقولة مفادها " لا تتق أبدا بالخبراء. فلو صدقت الأطباء لما بقي انسان متعاف. ولو آمنت برجال الدين
لما كان هناك شيء بريء ، ولو ثقت بالعسكر لما ظل هناك من هو آمن".
وبما أن الأطباء وسيلة لا سببا في العلاج، والدين لله لا لرجال الدين الموزعين مللا ونحلا والأمن حاجة طبيعية للبشر لا منحة يهبها جنرالات الحروب، فان تطلع الناس لحياة أفضل وواقع مزدهر يعشون فيه معززين مكرمين بوطن يسع الجميع بخيراته ..هو أيضا أمر ليس بيد رجال السياسة المحترفين والهاوين، مهما علت حظوتهم ولمعت سمعتهم وحسنت نواياهم ونزهت منطلقاتهم وخلفياتهم.
فلو كان هذا اللورد رجلا أخر غير ذاك السياسي الذي خدم المملكة البريطانية حين كانت لا تغيب عنها الشمس، لأتم قولته بالعبارة التالية : " لو صدقت وعود السياسيين لما بقي هناك سبب يدفعك للنضال في هذه الحياة". ؟
وبما أن الأطباء وسيلة لا سببا في العلاج، والدين لله لا لرجال الدين الموزعين مللا ونحلا والأمن حاجة طبيعية للبشر لا منحة يهبها جنرالات الحروب، فان تطلع الناس لحياة أفضل وواقع مزدهر يعشون فيه معززين مكرمين بوطن يسع الجميع بخيراته ..هو أيضا أمر ليس بيد رجال السياسة المحترفين والهاوين، مهما علت حظوتهم ولمعت سمعتهم وحسنت نواياهم ونزهت منطلقاتهم وخلفياتهم.
فلو كان هذا اللورد رجلا أخر غير ذاك السياسي الذي خدم المملكة البريطانية حين كانت لا تغيب عنها الشمس، لأتم قولته بالعبارة التالية : " لو صدقت وعود السياسيين لما بقي هناك سبب يدفعك للنضال في هذه الحياة". ؟
في بلد شبيه بتجربة بلدنا، دخل الاستعمار فزلزل الأرض على ساكنها، ثم
غير ما غير بعد أن أبقى على ما أبقى، تغيرت وجوه الحكام والمسؤولين، واستبدلت
الرايات والبرامج واللافتات والشعارات والمؤسسات والهياكل والأجهزة واللغات..وبقي
التخلف والانحطاط والعوز والفقر والجهل والأمية والبطالة والقهر الطبقي والفساد
والكساد والقمع وخنق الحريات..باختصار حصلت تغيرات كثيرة في الشكل والواجهة،
واستمرت بقايا ثقيلة في الجوهر والمضمون.
ان السياسي المحنك المرموق بمجتمع يشبه مجتمعنا هو واحد من اثنين :
اما انتهازي ووصولي، يتاجر بأحلام الناس ورغباتهم في تغيير حياتهم للأفضل، واما
أنه ساحر يثقن لعبة زرع " الأمل " في نفوس الجماهير والحشود، حفاظا على
حلمها في التغيير من التلف و الانقراض ، بسبب التهديد الذي
تمارسه قوى خارقة متربصة وتعاكس أي تغيير حسب محترفي السياسة؟
ومادام السياسي الوصولي الذي يركب الجماهير لتحقيق مطامحه الشخصية
والفئوية الضيقة معروف، وأمره مفضوح بين الناس في السر والعلن، فان زارع الأمل،
الممتهن ل " حرفة النضال " من أجل استمرار " حلم التغيير الأبدي
" واهما الناس أنه بسحره يمكن تحقيق مصالح مادية على أرض الواقع بوسائل غير
مادية معلقة في السماء، وفي ظروف لا توجد فيها أية علاقة طبيعية ومنطقية بين هذه
المصالح ووسائل تحققها... أليس هذا هو السحر المبين؟
اللورد " سالزبوري " لم يكن عدميا
حين قال قولته هذه، ولن نكون نحن من بعده عدميين، أو على الأقل اكثر منه عدمية،
ان كان هو بالفعل عدميا!
و في مجتمعات غير
شبيهة بمجتمعنا، لا يمكن أن يحصل التغيير الا بارتباط الأقوال بالأفعال، بعد نمو الصراعات
والمجابهات، ولن تكون هناك صراعات ومجابهات دون بروز مطالب كبرى ، ولن
تتبلور هذه المطالب الكبرى وتصبح قوة مادية للتغيير في غياب الوعي بالمصالح المشتركة. أما العكس من ذلك فيعني : أن يكون هناك بالفعل هذا التناقض قد وصل حد
الانفجار، وتكون الطبقات والمصالح متناحرة، والمطالب الكبرى مبلورة ومسموعة، ومع
ذلك لا يحصل أي تغيير؟ فليعذرنا السياسي المحنك، وأيضا اللورد سالزبوري لنختم
قولته متسائلين : " لو حدث التغيير على يد هؤلاء السحرة، هل بالفعل
سيبقى في صفنا من هو غارق في (العدمية) " ؟
COMMENTS