أسر لي أحد الأصدقاء، ( حين سألته عن سبب غيابه عن تظاهرات 20 فبراير ) ، بأنه يشعر بحرج كبير ان هو شارك في المظاهرات ضد الف...
أسر لي أحد الأصدقاء، ( حين سألته عن سبب غيابه عن تظاهرات 20 فبراير ) ، بأنه يشعر بحرج كبير ان هو شارك في المظاهرات ضد الفساد. وقال لي الصديق الذي كان ناشطا متحمسا في جميع المسيرات الوطنية والمحلية للتضامن مع فلسطين والعراق، أن جزءا من مدخوله أصبح مرتبطا بالتدويرة، ( الرشوة )، التي يتلقاها من المواطنين مقابل الخدمة التي يقدمها لهم باحدى الادارت العمومية.
هذا الصديق ليس موظفا ساميا ولا يسكن بالاقامات الفاخمة المعزولة عن أبناء هذا الشعب، وأكثر من ذلك، لا تظهر على نمط عيشه مظاهر النعمة والرقي الاجتماعي. مثله مثل سائر الموظفين الصغار، غارقا في الدين، ولا يكاد يتخلص من واحد منه حتى يجد نفسه غارقا في أخر. ان هذا الصديق لم يجعل النهج ولا العدل مبررا لعدم نزوله للشارع، ولا أعتقد بالمرة أنه ضد مطالب الحركة الفبرايرية .. لكن احساسه بتورطه في البنية الزبونية للادارة المخزنية يمنعه من المشاركة في الاحتجاج الشعبي.
العديد من المواطنين المقهورين، بالمدن كما بالبوادي، تشكل لهم العلاقات الزبونية بمختلف أوجهها : معارف، وجهاء، محسوبية، رشوة ... الوسيلة السهلة المتاحة أمامهم لقضاء مصالحهم اليومية. في الشغل والتجارة والتعليم والصحة والقضاء...
النظام الزبوني المخزني تمكن من بسط اغرائه على فئات واسعة من الشعب، وعلى اطاراته الاجتماعية والسياسية والمدنية، والأخطرأنه تمكن أيضا من غالبية عناصر النخب النابعة من صفوفه. غير أن هذه الوضعية، هي بمثابة نقطة ضعف هذا النظام وليست نقطة قوته، بحيث لا يستطيع أي نظام استبدادي أن يجعل من هذه العلاقات قاعدة عامة للتحكم في مجمل القوى الشعبية، أو يذوب كل التناقضات الاجتماعية والفوارق الطبيقة التي تقسم المجتمع.
النظام الزبوني المخزني تمكن من بسط اغرائه على فئات واسعة من الشعب، وعلى اطاراته الاجتماعية والسياسية والمدنية، والأخطرأنه تمكن أيضا من غالبية عناصر النخب النابعة من صفوفه. غير أن هذه الوضعية، هي بمثابة نقطة ضعف هذا النظام وليست نقطة قوته، بحيث لا يستطيع أي نظام استبدادي أن يجعل من هذه العلاقات قاعدة عامة للتحكم في مجمل القوى الشعبية، أو يذوب كل التناقضات الاجتماعية والفوارق الطبيقة التي تقسم المجتمع.
تمثل العلاقات الزبونية بعض الآليات الدفاعية والحلول الظرفية لواقع معاش فاسد. وتتسم هذه العلاقات بردود يومية بين طرفين متناقضين هما الحاكم و المحكوم. وتعبر عن حدة الاختلالات الكبرى بالمجتمع. انها جرس انذار مبكر عن ما يمكن أن يترتب عن هذه الحالة الاجتماعية الشادة من انفجارات واهتزازات داخل بنية المجتمع ، بسبب تأمينها لقنوات غير مشروعة، تطمس تكافؤ الفرص وتزيفه، وتهدرالطاقات الفعلية للمجتمع؟
واقع الانسان المغربي مكبل في حياته اليومية الى أقصى الحدود. وهذه الحياة اليومية أصبحت جحيما لا يطاق بسبب الأمراض الاجتماعية التي تفرزها البنية الزبزنية، من عنف وانحلال خلقي وتملق ونفاق وعدم استقراراجتماعي...ان النظام الاجتماعي الذي أفرزه المخزن عبر تاريخه الطويل، انقلب على نظام العلاقات الادارية والسياسية والاقتصادية الهش الموروث عن نظام الحماية الفرنسي، وأصبحت الادارة لا تحتفظ بعصرنتها وحداثتها الا من خلال مظهرها الخارجي، وهي تعيش اليوم لحظة احتباس غير مسبوقة، ادت بالغالبية من المواطنين والمستثمرين، الى تنميط وشخصنة العلاقة بالادارة العمومية وبالمجالات ذات الوظائف الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بها.
في هذا المناخ الاجتماعي العام، يلقي البعض باللائمة على المواطن المقهور!! وينعتونه بشتى الأوصاف السلبية والقدحية، محملينه استمرار هذه البنية الاستبدادية الموروثة. وهؤلاء يمكن أن نصنفهم لصنفين من خلال وجهتين للنظر تضعا مسؤولية هذا المناخ على عاتق المواطن : الصنف الأول ، لا ينظر للحياة اليومية لغالبية المواطنين المقهورين، الا من زاوية ضيقة لا تاخذ بعين الاعتبار أية أهمية لاكراهاتها والقيود التي تفرضها عليهم. فاذا كان بعض المقاولين مثلا، قد تخلوا عن الحركة المطالبة باسقاط الفساد والاسنبداد في بداياتها، بمجرد ما أن حركت مديرية الضرائب أصبعها نحوهم، وأن غالبية المثقفين والفنانين وأعضاء النخب السياسية والمدنية التي لازالت مواقفهم متحفظة ومتدبدبة في مقاومة الاستبداد خوفا على امتيازاتهم ومواقعهم ..
كيف يمكن اذن، تحميل المسؤولية والقائها على عاتق الرجل العادي الذي ينصب كل تفكيره وهمه اليومي على توفير الحد الأدنى من متطلبات العيش؟ هذا الصنف من الرأي، يعلن صراحة انه مادام الانسان العادي" غير مبالي" و " سلبي" ويفقد أي مبادرة على اعتبار أن واقعه هو الأكثر تأزما، فان التعايش مع النظام الزبوني والقبول المشروط باستمرار الاستبداد السياسي/المخزني، للدخول في لعبته السياسية وتزكية مؤسساته ومجالسه وهياكله وتجديدها .. أمر لا مفر منه !! عمليا هذا التوجه يحكم العديد من القوى التي كان مبرر وجودها هوالتغيير والديمقراطية والحداثة، من نقابات وأحزاب وجمعيات، وأصبحت مشاريعها مرتبطة بمشاريع الدولة أكثر من ارتباطها بالمشاريع التي يمكن أن يبلورها المجتمع؟؟
كيف يمكن اذن، تحميل المسؤولية والقائها على عاتق الرجل العادي الذي ينصب كل تفكيره وهمه اليومي على توفير الحد الأدنى من متطلبات العيش؟ هذا الصنف من الرأي، يعلن صراحة انه مادام الانسان العادي" غير مبالي" و " سلبي" ويفقد أي مبادرة على اعتبار أن واقعه هو الأكثر تأزما، فان التعايش مع النظام الزبوني والقبول المشروط باستمرار الاستبداد السياسي/المخزني، للدخول في لعبته السياسية وتزكية مؤسساته ومجالسه وهياكله وتجديدها .. أمر لا مفر منه !! عمليا هذا التوجه يحكم العديد من القوى التي كان مبرر وجودها هوالتغيير والديمقراطية والحداثة، من نقابات وأحزاب وجمعيات، وأصبحت مشاريعها مرتبطة بمشاريع الدولة أكثر من ارتباطها بالمشاريع التي يمكن أن يبلورها المجتمع؟؟
الصنف الثاني، وهو الذي يرفض البنية الزبونية للنظام السياسي القائم، يقاطع مؤسساتها ويحاربها، لكنه لازال ينظر هو الأخر لغالبية المواطنين المقهورين من زاوية نظره الضيقة ويسقط ايديولوجيته الخاصة على واقعهم. وهذا الصنف موزع لملل ونحل من الاتجاهات والعقائد، ليست لهم أرضية مشتركة حتى الان لتعبئة هذا الشارع الذي تطحنه مكينة الفساد والاستبداد؟
على الأقل، هذا ما يمكن استنتاجه من الجدل الدائر حول أرضية 20 فبراير، باعتبارها أول مشروع احتجاجي شعبي مغربي ضد الدولة المخزنية، يعتمد في أساليبه ومبادراته النزول للشارع انسجاما مع الثورات التي تشهدها دول المنطقة : جدل عقيم بين ملكية برلمانية أم جمهورية أو خلافة اسلامية !!! وكل طرف من هذه الأطراف يرتكز على فهمه الخاص لرجل الشارع، دون طرح السؤال الجوهري التالي: ما هي انشغالات هذا المواطن والى أي حد يمكن أن يشكل له شكل الدولة معيارا محددا وحاسما لخروجه من حياته اليومية ونزوله للشارع الاحتجاجي من أجل اسقاط الفساد والاستبداد؟
بالعديد من المدن، منع الاباء أبناءهم من المشاركة في المسيرات الاحتجاجية، كما تراجع بعض المواطنين بعد أن ههددتهم السلطة بقطع مورد رزقهم : كالفراشة والباعة المتجولين ومستخدمي البلديات..أو من طرف أرباب عمل الشركات الخاصة، وحذرت السلطة الوصية مجموعة من الجمعيات المرتبطة بالمبادرة الوطنية للتنمية أو ببرامج شراكة معها، من مغبة المشاركة في احتجاجات الشارع، ولو بطريقة غير مباشرة، حيث يطلب من أطرها الفصل بين مهام الجمعيات بشكل تقنوقراطي مع الواقع المعيشي، والمفترض أن تلعب فيه هذه الجمعيات بسبب قربها من المواطن دورا تعبويا أكبر لمواجهة الفساد والاستبداد؟
شيء نثن بالمملكة !! الناس لا يمنعهم الخوف فقط من النزول للشارع للحاق ب 20 فبراير، وهذا ما يجب الحفر فيه، بالاقتراب منهم والاستماع لوجهة نظرهم. فهم لا يحتجون لكنهم يراقبون، ولا يصوتون في أي انتخابات، لأسباب عديدة منها، أن ورقة 20 درهم أصبحت هي اللائحة الانتخابية الوطنية والمحلية، بواسطتها تقضى مصالحهم بالادارات العمومية المحلية والوطنية، يبحثون عن الواسطة أكثر من بحثهم عن البرلماني أو المستشار الذي يختفي بعد فوزه، 20 درهم هي الورقة التي تقرب الادارة من المواطن بالمستشفيات والمدارس وتحل نزاعات المحاكم والطرق..هذا هو النظام الاجتماعي الذي بدأ يتصدع في زمن الربيع العربي، وهذه هي الأرضية التي يجب أن يجتمع ويتفق ضدها مناهضو الفساد والاستبداد بعيدا عن كل جدل ايديولوجي أو تخندق حزبي؟
لقد مكنتنا 20 فبراير من أن ننظر لمجتمعنا من زاوية مختلفة عما ألفناه سابقا ، وهي تحمل في أحشائها مختلف القيم النبيلة لهذا الشعب المكافح الصبور على المحن والأهوال، هذه القيم من تضامن وتسامح وتغليب المصلحة العامة عن الخاصة، والتي صمدت أمام المخزنة الثقافية التي يسترسلها الاعلام على مدار الساعة، طلت من جديد من داخل الأحياء الشعبية التي استقبل سكانها الشباب المتظاهر، وقدموا لهم الحليب والثمر، وفي مختلف أشكال الدعم المادي والمعنوي من طرف العديد من الشرفاء، والفئات العريضة التي تثوق للحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
COMMENTS