اشهار لشركة قروض تشبّه المغربيات بالكبش غدا ينحر المغاربة مع الغالبية من مسلمي المعمورأضحية العيد. وبعيدا عن السياق الديني ...
اشهار لشركة قروض تشبّه المغربيات بالكبش |
كما هي العادة تسارع وزارة الفلاحة لنشر أرقام عدد الرؤوس من الماشية المرصودة للعرض مع اقتراب العاشر من ذي الحجة. وبالموازاة مع ذلك، تدخل المؤسسات المالية في سباق محموم مع الزمن لاصطياد عدد أكبر من طالبي السلف. فتغزو الاعلانات الاشهارية القنوات و الشوارع ، حتى المحلات التجارية الكبرى، تلجأ للإشهار من خلال تقديم عروض للسلف لشراء كبش العيد و أجهزة ألكترونية مرتبطة بذلك كالثلاجات و الشوايات مثلا.
بالمغرب، يعلم المواطن البسيط أن شركات السلف و متاجر السوبر ماركيت يمتلكها الحاكمين. وهي على رأس المستفدين من مناسبة عيد الاضحى. وأرباحها تتضاعف خلال هذه الفترة، فيما تبقى الأسواق التقليدية لعرض المواشي، رغم أهميتها من حيث عدد زبنائها، تتسم بضابية وعدم وضوح الجهات الأكثر استفادة : هل هم المزارعون الصغار و المتوسطين أم المعلفين و المسمنين ؟ أم السماسرة و الشناقة؟
مهما يكن، فإن الجزء الأكبر من الاموال التي تروج في سوق الاغنام، لا تذهب للعالم القروي، و هي أموال تقدر بمئات الملايين. و من هذه الزاوية، لا يمكن أن نقول أن الدورة الاقتصادية لعيد الاضحى تساهم في تنمية البادية المغربية. اين يذهب هذا الرأسمال ولماذا لا يخلق ما يكفي من التراكمات على مر السنين، لإصلاح أوضاع و حياة الناس بالبادية؟
انها دورة اقتصادية مغلقة، الكساب الصغير يسترجع مدخراته لتوليد خرفان جدد للموسم المقبل، و هو ما يجعل من الصعب أن يحصل لذيه تراكما راسماليا كافيا لنشله من واقعه المزري المقيد بتعاقب سنوات الجفاف المريرة و و الشروط المجحفة التي تستنزف عرقه و شقائه والمفروضة من المؤسسات الزراعية الممولة.
يذهب الجزء الاكبر من الأموال التي يضخها العيد الى المؤسسات المالية و التجارية و الى الاشخاص المتدخلين في عمليات البيع وهم غالبيتهم ليسوا بقرويين. وهوؤلاء هم المستفيدين من سوق الغنم. وليس في بالهم بتاتا استثمار أرباحهم أو جزء منها في مشاريع اقتصادية و اجتماعية بالعالم القروي.
اذا كان الفقراء و أيضا الجماهير القروية لا يستفيدون من عيد الاضحى، فمن يستفيد إذن؟
بالاضافة للمؤسسات المالية و التجارية طبعا، تستفيد الدولة و نظامها السياسي بالأساس من هذه المناسبة. فهي أولا ألية تنفيس كبرى، تشل الحياة العادية للمواطنين و تدخلهم قسرا في جو مشحون ومفعم شكليا بالتعاليم الدينية. عمليا يعتكف غالبية المضحين في بيوتاتهم لمدة قد تصل لأسبوع كامل. بالمدن الكبرى، حيث ينتمي أصحاب الدكاكين التجارية و المحلبات و الورشات الحرفية الصغرى و المتوسطة، الى بلدات قروية أو مدن صغرى بعيدة عن موقع تجارتهم، يستغلون المناسفة لاقفال محلاتهم و السفر الى ذوييهم.
بالدار البيضاء مثلا، تشل الحركة التجارية المرتبطة بشكل مباشر بحياة المواطن بوجه عام لفترة قد تتجاوز الأسبوع. لن نتكلم عن ما يراكمه العيد من مشاكل مرتبطة بالنفقات المنزلية و العائلية التي تتضرر بسبب ارتفاع ثمن الحولي.
يستفيد النظام السياسي من هذه المناسبة و يستغلها لإعادة انتاج أليات تحكمه في المجتمع و فرض وصايته عليه. ظرفيا، ولو لبضعة ايام، يوفر عيد الأضحى للمهمشين و العاطلين فرصا لكسب بعض النقود. فالعديد من الشرائح الاجتماعية المنبوذة تجد في الدورة الاقتصادية المغلقة للعيد وسيلة للتنفيس و الخروج المؤقت من حالة العوز المستديم . كما أن بعض أفراد الطبقة الوسطى من مالكي العقارات السكنية، يستفيدون هم أيضا من خلال كراء كراجات لبائعي الغنم غير عابئين بالضرر الذي يتسببون فيه لبيئة حيهم و محيطهم.
في مثل هذه الأجواء، هل لازال للأضحى فلسفته الدينية و الاجتماعية التي تدعو للتكافل و التآزر و مساعدة الفقراء و المحتاجين؟
بتركيا، حيث مكنت التنمية على مدا السنوات العشرين الاخيرة، من رقي الوعي الاجتماعي للأتراك. بعد صلاة العيد، يقوم البعض بالتوجه للجمعيات الخيرية و التنموية لكي يتبرع لهم من خلال شيك بنكي بثمن كبش العيد. و قد أفتى مفتي الجمهورية فيما مضى بأن ذلك مستحبا، نظرا الى فساد الكميات الكبيرة من اللحوم التي يتصدق بها المضحون للجمعيات بسبب افتقاد هذه الاخيرة لخزائن تحفظها من التلوث.
الاسلاميون الذين يتبجحون بتجربة الحزب الاسلامي الحاكم بتركيا، ينتقون ما يتماشى مع مصالحهم لذلك فهم لا يقفون عند هذا الاجتهاد الذي يحول مبدأ الأضحية الى فعل ملموس للتضامن و البناء الذي يعود على الجماعة الاسلامية بالخير و المنفعة. العالم يتطور، أيضا المؤسسات و المقاولات و السماسرة و المحتكرون من منتهزي الفرص .. يتطورون في اتجاه معاكس لأي تنمية وطنية حقيقية باستغلال المناسبات الدينية و تشويه الموروث الحضاري للشعوب المسلمة.
COMMENTS