محمد جليد يترجم 'العدالة الجنائية الدولية في مفترق الطرق'

 وقع المترجم محمد جليد على ميلاد أول أثر ترجمي له؛ إذ خاض مغامرة فكرية تسلح لها بكل الوسائل الضرورية، وهو يقدم للخزانة العربية نسخة قي...

 وقع المترجم محمد جليد على ميلاد أول أثر ترجمي له؛ إذ خاض مغامرة فكرية تسلح لها بكل الوسائل الضرورية، وهو يقدم للخزانة العربية نسخة قيمة من كتاب 'العدالة الجنائية الدولية في مفترق الطرق: عدالة عالمية أم انتقام شامل؟'، الذي أصدره البروفسور وفيلسوف القانون النمساوي المعروف 'هانس كوكلر'.
يقع هذا الكتاب، الذي سيشكل مرجعا أساسيا للطلبة والباحثين وأساتذة القانون، في 432 صفحة من الحجم المتوسط. وقد صدر عن دار النشر المغربية 'طوب إديسيون'، بتمهيد للمشرف على الترجمة حميد لشهب، الدكتور المغربي المقيم في النمسا، الذي قال عن هذا المجهود الفكري في نقل هذا الكتاب من لغة شكسبير إلى لغة الضاد: 'لا يسعني.. إلا أن أنوه بالمجهود الجبار للسيد محمد جليد في ترجمة هذا المؤلف الضخم إلى العربية فقد اشتغل على هذه الترجمة ما يناهز ثلاث سنوات، وكان تواصلنا بشأنها بانتظام، فقد استمتعت واستفدت شخصيا من هذه الترجمة وأنا أراجعها، وأعترف أنني قرأت مسودة الترجمة مرات عديدة وشغلتني ليالي كثيرة لغنى مضامينها وفتحت لي عالم أفكار كنت أجهله كل الجهل'.
من جانبه، يقول صاحب الكتاب البروفيسور 'هانس كوكلر'، في مقدمة خص بها القراء العرب: 'أعتبر ترجمة كتابي هذا إلى اللغة العربية نوعا من التقدير المخلص للسنوات العشر المنصرمة'. وهو تقدير فعلا من باحث ومترجم شاب يقسم وقته وجهده بين مهنة المتاعب، باعتباره صحافيا في جريدة 'الأحداث المغربية'، وبين البحث والترجمة كلما أسعفته الظروف في حق مفكر رصين ورجل قانون نزيه وواحد من أكبر المدافعين عن القضايا العربية والإسلامية، وعن العدالة الدولية في العالم.
لقد ألَّف 'هانس كوكلر' هذا الكتاب التحليلي خلال سنتي 2001 و2002. وهو يعالج مفهوم القضاء العالمي، الذي نشأ حديثا، وكذا مبادئ وضوابط القانون الإنساني الدولي، فضلا عن الرهانات التي تواجهها النظرية القانونية في معالجتها قضايا الإرهاب الدولي. فمنهجه يقتضي في هذا الكتاب، كما هو الشأن في كتاباته كلها، أن تنسجم إجراءات فرض القانون الدولي- سواء فيما يتعلق بالدول أو بالأفراد- مع الأعراف التي تحكم التعايش السلمي عموما، ومع قوانين الأمم المتحدة، وإجراءاتها المرتبطة بالأمن الجماعي.
لا يسعى هذا الكتاب إلى تقديم استنتاج خلاصة ما حول تاريخ القانون الجنائي الدولي، أو ممارسته الراهنة، أو حول حالة القانون الإنساني الدولي الراهنة. بل إن أبرز غاياته هي أن يتأمل مليا في الأسس القانونية والفلسفية للقضاء الكوني، وأن يسلط الضوء، من خلال حالات نموذجية، على مشاكل الشرعية داخل المؤسسات القانونية الدولية في سياق سياسات القوى الحالي. إذ يحلل أعراف القانون الجنائي الدولي وأعراف القانون الإنساني الدولي، في ارتباطها بجهود الأمم المتحدة الساعية إلى سن قوانين كونية منسجمة تحكم علاقات الدول.
يعتبر هذا الكتاب ثمرة سنوات من انخراط الكاتب في معالجة قضايا تسوية النزاعات والقانون الدولي، في إطار مشاريع البحث والمحاضرات لمنظمة التقدم العالمي، وهي منظمة غير حكومية ذات وضع استشاري داخل الأمم المتحدة، يرأسها 'كوكلر' نفسه. إذ يقدم الكاتب تحليلا فلسفيا لسيرورة تطور مفهوم العدالة الجنائية الدولية، منذ ظهور المفهوم في كتابات فقهاء القانون الدولي منذ القرن التاسع عشر، مرورا بتجربة محكمتي 'نورنبورغ' في ألمانيا و'طوكيو' في اليابان، وانتهاء بالتجارب الحديثة مثل محكمة 'لوكربي'، أو الغرف الاستثنائية في محاكم كمبوديا، أو محكمة يوغوسلافيا الخاصة، أو محكمة رواندا الخاصة، الخ.
يقع الكتاب في أربعة أجزاء، حيث يعرف الكاتب، في الجزء الأول، فكرة العدالة الجنائية الدولية، كما يعرف بتطور ممارستها في سياق سيادة الدولة والمسؤولية الفردية. ويعرض لأسسها وبناها، ومساعيها وغاياتها، ومعضلاتها وعوائقها، الخ دون أن يغفل عن بسط النماذج العالمية المعروفة في هذا المجال. وفي الجزء الثاني، يعرف الكاتب مفهوم التدخل الإنساني، محللا خلفياته التاريخية، عارضا لممارسته في سياق ميزان القوى الدولي، وكذا لحالات تواريه وبروزه على الساحة الدولية. وفي الجزء الثالث، يتناول الكاتب العوائق التي تحول دون فرض سيادة القانون على الصعيد الدولي، خاصة في سياق دولي يتسم بالأحادية القطبية وبروز ظاهرة الإرهاب. كما يعرض البدائل والشروط الكفيلة بتطبيق القانون على الصعيد الدولي. أما الجزء الأخير، فهو عبارة عن مذكرات وتقارير أصدرها الكاتب، باعتباره ملاحظا دوليا في عدد من المحاكمات الدولية الأخيرة، وفي مقدمتها محاكمة 'لوكربي'.

إقرأ الموضوع من مصدره :  عدالة عالمية أم انتقام شامل؟