لا اغتيال شكري بلعيد ولا جرائم النصرة في سوريا ولا ضحايا مراسيم الاستبداد التي وقّعها الرئيس المصري تمحو عن التحولات الكبرى التي أطلق...
لا اغتيال شكري بلعيد ولا جرائم النصرة في سوريا ولا ضحايا مراسيم
الاستبداد التي وقّعها الرئيس المصري تمحو عن التحولات الكبرى التي أطلقها
بوعزيزي التونسي صفة الثورة.
كتب أحدهم على صفحة التواصل العبارات التالية:
إرهاب في سوريا، حرب شوارع في ليبيا، اقتتال في لبنان، عصابات في اليمن، تمزّق في السودان، صراع سلفي في تونس ومصر، وسلام في تل أبيب.. وختمها بعبارة تعجبية: إنّه الرّبيع العربي!!! ثم بتعليق يقول فيه: هل هو ربيع عربي أم ربيع صهيوني؟
نعم، هي صور قاتمة على امتداد الأمة العربية، غير أن الصورة الزاهية التي لا تخفى على أحد تتمثل في كون الأحداث من المحيط إلى الخليج هي الثورة الأولى التي تخوضها شعوبنا منذ خمسة عشر قرناً. كل ما حصل بين ثورة النبي محمّد وحادثة بوعزيزي هو سلسلة من الانقلابات والانتفاضات: من مقتل الخلفاء الراشدين، إلى الانقلاب الأموي ثم العباسي، إلى ثورة الزّنج وثورة القرامطة، إلى دويلات بني بويه والسلاجقة والفاطميين، وانهيار الخلافة ثم السلطنة، وقيام الأوطان الحديثة والانقلابات المعاصرة في سوريا ومصر والسودان والعراق وليبيا... إلخ ، إلخ .
النبي محمّد أطلق الثورة الإسلامية على دولة البداوة، الدولة القبيلة، فتأسّست، على الصعيد السياسي، دولة الوراثة التي شكلت خطوة متقدّمة على ما كان قبلها، واستمرّت حتى بوعزيزي.
مأزق الإسلاميين ، ومعهم سائر الأصوليات الماركسية والقومية، يتمثّل في كونهم لم يدركوا أن الشرارة التي أطلقت في تونس وعمّت أجزاء واسعة من العالم العربي هي بالدرجة الأولى، ثورة على الاستبداد الذي كانت تمارسه الأنظمة والمعارضات اليسارية والإسلامية على حد سواء. لذلك كان لا بدّ أن تواجه الثورة مأزقها حالما وصلت إلى السّلطة قوى من حضارة الاستبداد، ولا فرق إن كانت تلك الحضارة ذات أصول شرقية أو تقدمية.
مأزق اليساريين أشدّ وأدهى، لأنّهم اكتفوا بتفوقهم على الإسلاميين في تخيّلهم مستقبل البلاد والعباد، غير أن قراءتهم الماضي لم تكن تقلّ أصولية، وإن بمصطلحات ومناهج مختلفة، لأنها كانت قراءة غير نقدية. بل هي قراءة انقلابية حاولت أن تستبدل ديناً بدين، وأنظمة وراثية استبدادية بأنظمة مماثلة.
بالرغم من التناقض الظاهري، يبدو موقف الأصوليات الإسلامية واليسارية واحداً. وجهان لوهم واحد: الإسلاميون اعتقدوا أنهم، بإمساكهم مقاليد السلطة، حققوا أحلامهم المستحيلة بإعادة عقارب التاريخ إلى الوراء و"بعث" دولة الخلافة أو ما شابهها، والأصولية اليسارية اعتقدت أن إسقاط الأنظمة القديمة سيفتح الطريق أمام بناء الاشتراكية. كلاهما، الأصولية الإسلامية واليسارية، يشتركان في خطيئة نظرية وعملية واحدة، إنّهما شطبا من جدول عمل التاريخ العربي ومن قائمة أحلامهما قضية الديمقراطية.
أما الطامة الكبرى فهي الأصولية القومية، التي لم تنتبه إلى أن الثورة العربية المعاصرة المعروفة باسم الربيع العربي، قامت ضدها واستهدفت بالدرجة الأولى، أنظمة نشأت في وهج النهوض القومي. ولئن كانت حالة هذه الأصولية أكثر تعقيداً من سواها، فإن جميع الأصوليات لم تدرك أن قطار التطور في العالم العربي وضع على سكته الصحيحة لأول مرة منذ قيام الرأسمالية وحضارتها. كما أنها لم تدرك أن بلوغ القطار محطته الأخيرة أمر يحتاج إلى نضال طويل.
كتب أحدهم على صفحة التواصل العبارات التالية:
إرهاب في سوريا، حرب شوارع في ليبيا، اقتتال في لبنان، عصابات في اليمن، تمزّق في السودان، صراع سلفي في تونس ومصر، وسلام في تل أبيب.. وختمها بعبارة تعجبية: إنّه الرّبيع العربي!!! ثم بتعليق يقول فيه: هل هو ربيع عربي أم ربيع صهيوني؟
نعم، هي صور قاتمة على امتداد الأمة العربية، غير أن الصورة الزاهية التي لا تخفى على أحد تتمثل في كون الأحداث من المحيط إلى الخليج هي الثورة الأولى التي تخوضها شعوبنا منذ خمسة عشر قرناً. كل ما حصل بين ثورة النبي محمّد وحادثة بوعزيزي هو سلسلة من الانقلابات والانتفاضات: من مقتل الخلفاء الراشدين، إلى الانقلاب الأموي ثم العباسي، إلى ثورة الزّنج وثورة القرامطة، إلى دويلات بني بويه والسلاجقة والفاطميين، وانهيار الخلافة ثم السلطنة، وقيام الأوطان الحديثة والانقلابات المعاصرة في سوريا ومصر والسودان والعراق وليبيا... إلخ ، إلخ .
النبي محمّد أطلق الثورة الإسلامية على دولة البداوة، الدولة القبيلة، فتأسّست، على الصعيد السياسي، دولة الوراثة التي شكلت خطوة متقدّمة على ما كان قبلها، واستمرّت حتى بوعزيزي.
مأزق الإسلاميين ، ومعهم سائر الأصوليات الماركسية والقومية، يتمثّل في كونهم لم يدركوا أن الشرارة التي أطلقت في تونس وعمّت أجزاء واسعة من العالم العربي هي بالدرجة الأولى، ثورة على الاستبداد الذي كانت تمارسه الأنظمة والمعارضات اليسارية والإسلامية على حد سواء. لذلك كان لا بدّ أن تواجه الثورة مأزقها حالما وصلت إلى السّلطة قوى من حضارة الاستبداد، ولا فرق إن كانت تلك الحضارة ذات أصول شرقية أو تقدمية.
مأزق اليساريين أشدّ وأدهى، لأنّهم اكتفوا بتفوقهم على الإسلاميين في تخيّلهم مستقبل البلاد والعباد، غير أن قراءتهم الماضي لم تكن تقلّ أصولية، وإن بمصطلحات ومناهج مختلفة، لأنها كانت قراءة غير نقدية. بل هي قراءة انقلابية حاولت أن تستبدل ديناً بدين، وأنظمة وراثية استبدادية بأنظمة مماثلة.
بالرغم من التناقض الظاهري، يبدو موقف الأصوليات الإسلامية واليسارية واحداً. وجهان لوهم واحد: الإسلاميون اعتقدوا أنهم، بإمساكهم مقاليد السلطة، حققوا أحلامهم المستحيلة بإعادة عقارب التاريخ إلى الوراء و"بعث" دولة الخلافة أو ما شابهها، والأصولية اليسارية اعتقدت أن إسقاط الأنظمة القديمة سيفتح الطريق أمام بناء الاشتراكية. كلاهما، الأصولية الإسلامية واليسارية، يشتركان في خطيئة نظرية وعملية واحدة، إنّهما شطبا من جدول عمل التاريخ العربي ومن قائمة أحلامهما قضية الديمقراطية.
أما الطامة الكبرى فهي الأصولية القومية، التي لم تنتبه إلى أن الثورة العربية المعاصرة المعروفة باسم الربيع العربي، قامت ضدها واستهدفت بالدرجة الأولى، أنظمة نشأت في وهج النهوض القومي. ولئن كانت حالة هذه الأصولية أكثر تعقيداً من سواها، فإن جميع الأصوليات لم تدرك أن قطار التطور في العالم العربي وضع على سكته الصحيحة لأول مرة منذ قيام الرأسمالية وحضارتها. كما أنها لم تدرك أن بلوغ القطار محطته الأخيرة أمر يحتاج إلى نضال طويل.
COMMENTS