سمير أمين: مصدر قوة الاخوان هو فقر الجماهير

المفكر الاقتصادي سمير أمين يرى في حكم الإخوان استمرارا لسيناريو أمريكي يهدف إلى بقاء مصر تابعة لسياساتها. لا يرى سمير أمين الأخوان...

المفكر الاقتصادي سمير أمين يرى في حكم الإخوان استمرارا لسيناريو أمريكي يهدف إلى بقاء مصر تابعة لسياساتها.
لا يرى سمير أمين الأخوان المسلمين على أنهم حزب اسلامي، ولكن كحزب يميني رجعي يستغل الاسلام لمصالحه البرجماتية المباشرة. أمين الذي يعد أحد أبرز المفكرين الاقتصاديين العالميين قدم عبر كتبه الأخيرة الصادرة بعد الثورة قراءة جديدة لتاريخ مصر المعاصر. قراءة سمير أمين لا تقسم القرن العشرين المصري من خلال ثورة يوليو 1952، ولكنها تري حركة التاريخ كأمواج مد وجز، موجة يرتفع فيها المد الوطني للمطالبة بالاستقلال والديموقراطية والعدالة الاجتماعية. وهذه المطالب هي معيار المد والجزر بالنسبة لقراءة أمين، وموجة جزر طويلة تختفي فيها هذه المطالب. نظرية حركة الامواج التاريخية تفيد على حد تعبير أمين في في معرفة اتجاه حركة التاريخ في مصر والمنطقة خلال الفترة القادمة.
سمير أمين : هناك ثلاثة نماذج جربناها مع حكم الاسلاميين
حوارنا مع أمين كان قبل التطورات الاخيرة الخاصة بالاعلان الدستوري والاستفتاء على الدستور، لكن حديثه جاء مليئا بالاشارات لما هو قادم من صدامات وتفاعلات اجتماعية بحكم عدم قدرة الاخوان المسلمين على تحقيق التغيير الذي خرجت من أجله الجماهير منذ الخامس والعشرين من يناير2011.

بداية كيف ترى ما يحدث في مصر الأن؟
لست متشائما مما يحدث في مصر، ولكني أيضا لا أحمل أوهاما اسطورية عن الثورة المصرية، فالثورة حتى الآن لم تنجز شيء، لأن التجربة تثبت أن النظام لم يتغير، وعملية افقار الشعب المصري لازالت مستمرة، والنضال ايضا مستمر عبر التظاهرات والاحتجاجات الاجتماعية.
واعتقد اننا مازلنا بشكل عام واقعين تحت اوهام الصندوق، وسيستمر هذا لفترة قصيرة، فالناس بدأت تدرك أن الاخوان لن يغيروا شيئا. والحقيقة الهامة التي تأكدت منذ الخامس والعشرين من يناير 2011 ان الشعب المصري شجاع، ولن يخاف من اشعال انتفاضة ثانية وثالثة وهذا ما سيحدث باعتقادي وبشيء أكثر من الوعي حول البديل المطلوب.
ماذا تقصد بـ "أوهام الصندوق"؟
الحركات الجماهيرية عادة ما تبدأ بأقلية، ولكن تلك الاقلية قادرة على أن تجر الأغلبية، والتجربة المصرية في يناير وفبراير 2011 مازلت ماثلة امام أعيننا، فالتحرك بدأ بأعداد قليلة مقارنة بعدد سكان مصر ثم ظل يتزايد إلى أن وصل إلى حوالي خمسة عشر مليون متظاهر في عموم القطر المصري.
ولكن كما نعرف من التاريخ تحتاج هذه الأقلية المتحركة إلى فترة زمنية من أجل بلورة تنظيماتها المستقلة ومشروعها البديل، وقدرات على بناء تحالفات وأهداف استراتيجية، وهذا يحتاج إلى وقت يمتد إلى سنوات، وفي مثل هذه الحالة تصبح الانتخابات السريعة هي الوسيلة لوقف تلك الحركة، وقد أعلن أوباما عن هذا المشروع خلال الايام الاخيرة لمبارك حيث قال إن مصر تحتاج لفترة انتقالية قصيرة تنتهي بانتخابات تأتي بنظام شرعي، حيث أن الشرعية الوحيدة هي القادمة من الصندوق. وهذا يعني كسر قدرة الاقلية على سحب الاغلبية، ومن ناحية اخرى اللعب بالاغلبية الضعيفة الهشة غير المسيسة عبر من يستطيع ان يسيطر عليها.
وتم تنفيذ هذه الخطة بنجاح، عبر استفتاء مارس 2011 ثم الانتخابات البرلمانية وبعدها الرئاسية، وبالتالي امتلك النظام الحالي شبه شرعية، وهي الشرعية الوحيدة التي تعترف بها الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة.
ولكن السؤال هل يعتبر الشعب المصري أن الصندوق هو المصدر الوحيد للشرعية، اعتقد ان الإجابة بالنفي. فالجماهير الشعبية بالمعنى الواسع في مصر، تدرك الآن أن الحركة لها شرعية تكتسبها من اهدافها مثل دمقرطة المجتمع، واعطاء بعد اجتماعي للاصلاح، وبعد وطني عبر عودة شرف مصر، واقامة دولة جديدة قادرة على ان تكون فاعلة في محيطها الداخلي والخارجي. وهدف المشروع الامريكي الاسرائيلي الخليجي المشترك تحطيم امكانيات بزوغ هذا المشروع. لتبقى مصر – كما هي منذ فترة طويلة - دولة منحطة وكما ستسمر كذلك لفترة في المستقبل القريب.
لذا فالصندوق ليس مصدر الشرعية الوحيد، ومن ناحية اخرى مصدر قوة الاخوان هو فقر الجماهير والافقار المستمر لهم عبر عمليات الاحسان والذي يرافقه خطاب اسلاموي، وهكذا يمكنهم الحصول على أصوات هذه الطبقات الفقيرة. اذن الاخوان لهم مصلحة موضوعية في استمرار سياسات الافقار. وحديثهم عن العدالة الاجتماعية لا يعني في قاموسهم سوى الاحسان، ويسمحون بالاثراء الفاحش وتراكم الثروات عبر تأويلات خاصة بهم للايات القرآنية.
وتساعدهم الاموال الخليجية في تثبيت مشروعهم حيث تتولى قطر تمويل الاخوان والسعودية تمويل السلفيين تحت رعاية الولايات المتحدة الراعي الرسمي لتنفيذ هذا المخطط.
بالنسبة لك إلى أين يذهب الاخوان بمصر؟
كتبت منذ فبراير 2011 ان السيناريو الامريكي للحالة المصرية هو اقرب للسيناريو الباكستاني، حيث يوجد برلمان باغلبية اسلاموية على النمط الباكستاني، ومن ورائه مؤسسة عسكرية اسلامية هي الاخرى، من اجل تنفيذ المشروع الامريكي.
ويكفي المقارنة بين الهند وباكستان لنتعرف على نتيجة سيطرة الاسلام السياسي فباكستان قبل 1948 لم تكن افقر من الهند بل على العكس كانت تضم مناطق من اغنى الاراضي في شبه الجزيرة الهندية، لكن اليوم استطاعت الهند – مع كل ملاحظاتي على النموذج الهندي – تحقيق تطور هائل بفضل العلمانية والديموقراطية.
نموذج اخر لحكم الاسلاميين في الصومال أدى إلى تحطيم الدولة بالاساس. الان لا توجد دولة في الصومال بل توجد مراكز قوى وصلت طبقا لبعض الدراسات إلى 35 دويلة في الصومال الان.
النموذج الثالث لحكم الاسلاميين هو السودان، عبر ومن بعد سياسات حسن الترابي، فقد انفصل ثلث السودان الجنوبي، رغم ان اهداف جيش التحرير الجنوبي منذ البداية لم تكن الانفصال ولكن دولة علمانية ديموقراطية لجميع السودانيين، والان يأتي الدور على الغرب السوداني – الذي يقطنه مسلمون بالمناسبة- اي نحن امام حالة جديدة من تفكك الدولة في السودان.
ولماذا تساند الولايات المتحدة هذا السيناريو؟
الهدف الرئيسي لاستراتيجية الولايات المتحدة هو منع نهضة مصر، ان تظل دولة رأسمالها التسول من الخارج، وتبقى المعونة الامريكية للقوات المسلحة هدفها تخريب القوة الهجومية والدفاعية للجيش، وتبقى الاموال الخليجية تتدفق لا من اجل بناء المصانع ولكن من اجل تقوية النظام الحاكم وتقوية النمط التجاري لا التنموي في مصر.
ومصر في هذا المشروع من الناحية السياسية هي الدولة التي تساعد وتنحاز للسياسات الامريكية في المنطقة، فمصر ساندت التدخل الامريكي في العراق، وتدمير الدولة العراقية وتحويلها لدويلات عرقية، وحاليا نفس السياسات بالنسبة لسوريا.
وبالتالي خاضعة للمشروع الصهيوني في تصفية الوجود الفلسطيني داخل اراضي فلسطين المحتلة، بل والتوسع خارج حدود فلسطين، فبالنسبة لي طموحات الاسرائيليين في سيناء مازالت موجودة ويمكن ان تتجدد.
وهنا نجد ثلاث قوى من مصلحتها المشتركة عدم نهضة مصر وهي الولايات المتحدة واسرائيل ودول الخليج، لأن نهضة مصر – بمعنى وجود دولة وطنية تنموية - معناها ان تلعب مصر دور قيادي على صعيد المنطقة ان لم يكن على صعيد عالمي، وساعتها سيتلاشى الدور الخليجي المدعوم بأموال النفط والخطاب الاسلامي الرجعي، أيضا الميول التوسعية لاسرائيل ستقف امام قوى مانعة، وبالتالي يتوقف المشروع الامريكي لبسط السيادة على المنطقة المتحققة باشكال مختلفة الان في العراق وسوريا ومصر وغيرها.
برأيك متى بدأ هذا المخطط؟
تركيبة النظام الحاكم بدأت تتغير مع السادات لتصبح أشبه بمثلث رأسه في واشنطن وقاعدته المؤسسة العسكرية والاسلام السياسي اليميني الرجعي، من اجل تنفيذ الأجندة الامريكية في المنطقة، وهذه خطة استراتيجية وضعها كيسينجر وبريجنيسكي، وبدأ السادات في تنفيذها فهو من ارجع قيادات الاخوان من الخليج وافرج عن باقي القيادات المعتقلة ليواجه الناصريين واليساريين، ليكمل هدفه الاساسي وهو تفكيك هذه المشروع الناصري، الذي كان يهدف إلى بناء دولة وطنية تنموية. خلال فترة السادات ومبارك كانت القوات المسلحة هي حجر الاساس في المثلث الحاكم وقوى الاسلام السياسي تابعة لهم، فالخطاب الاسلامي هو الخطاب السياسي الوحيد الذي كان موجودا عبر الاربعين عاما الماضية، وما يراه البعض على انه هناك منافسة بين المؤسسة العسكرية والاخوان غير صحيح فهناك منافسة في مشاركة الحكم وليست من اجل ازاحة طرف من اللعبة. الأن توازن القوى تغير لصالح الاسلام السياسي بدون استبعاد قيادة الجيش، فهي ستظل كما هي، تتمتع بجميع الامتيازات والثروات التي كومتها عبر السنين الماضية.
حاوره : محمد فرج

COMMENTS

طريقة تفعيل هذه الاضافة :- اضغط علي المربع اسفل كلمة مرئي لتفعيل علامة صح وبهذا تكون قد فعلت الخاصية طريقة ايقاف هذة الخاصية :- اضغط علي المربع اسفل كلمة مرئي لالغاء علامة ( √ ) وبهذا تكون قد اوقفت الخاصية
الاسم

أدب و فنون,33,أعمدة مغربية,55,اقتصاد و إعلام,23,الربيع العربي,131,المزيد,82,جديد الكتب و المجلات,28,حريات و حقوق,31,دراسات حول المجتمع المغربي,18,سياسة مغربية,45,علوم وتكنولوجيا,2,عمال و نقابات,7,في دقائق,4,مجتمع مدني,18,مواقف حزبية,18,
rtl
item
مدونة الشعب يريد : سمير أمين: مصدر قوة الاخوان هو فقر الجماهير
سمير أمين: مصدر قوة الاخوان هو فقر الجماهير
https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEhQbp6MvZiY2s9melLLD-KJ-JfX5BB9dwFwIXAz0-d3Azoi-_91TM8fH53YWny7Z0SYzl9G0he4loC_-4RNKwGs18QGQ7MyPMeMMA3pN3D3WhjpoWNiS_ybLct464LfCebd1XswjqUcCwyr/s400/samir+amin.jpg
https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEhQbp6MvZiY2s9melLLD-KJ-JfX5BB9dwFwIXAz0-d3Azoi-_91TM8fH53YWny7Z0SYzl9G0he4loC_-4RNKwGs18QGQ7MyPMeMMA3pN3D3WhjpoWNiS_ybLct464LfCebd1XswjqUcCwyr/s72-c/samir+amin.jpg
مدونة الشعب يريد
https://slailymohammed.blogspot.com/2013/03/blog-post_23.html
https://slailymohammed.blogspot.com/
https://slailymohammed.blogspot.com/
https://slailymohammed.blogspot.com/2013/03/blog-post_23.html
true
3090944207328741838
UTF-8
Loaded All Posts Not found any posts VIEW ALL Readmore Reply Cancel reply Delete By Home PAGES POSTS View All RECOMMENDED FOR YOU LABEL ARCHIVE SEARCH ALL POSTS Not found any post match with your request Back Home Sunday Monday Tuesday Wednesday Thursday Friday Saturday Sun Mon Tue Wed Thu Fri Sat January February March April May June July August September October November December Jan Feb Mar Apr May Jun Jul Aug Sep Oct Nov Dec just now 1 minute ago $$1$$ minutes ago 1 hour ago $$1$$ hours ago Yesterday $$1$$ days ago $$1$$ weeks ago more than 5 weeks ago Followers Follow THIS PREMIUM CONTENT IS LOCKED STEP 1: Share to a social network STEP 2: Click the link on your social network Copy All Code Select All Code All codes were copied to your clipboard Can not copy the codes / texts, please press [CTRL]+[C] (or CMD+C with Mac) to copy Table of Content