فواز طرابلسي فيما يتجاوز المزاودات او المناقصات القومية، ليست المشكلة ان النظام السوري لم يردّ على الغارتين الاخيرتين على دمشق. المشكل...
فواز طرابلسي |
فيما يتجاوز المزاودات او المناقصات القومية، ليست المشكلة ان النظام السوري لم يردّ على الغارتين الاخيرتين على دمشق. المشكلة انه ردّ. وجاء الرد على جبهتين على الاقل.
الرد الاول هو اعلان دمشق ان الجبهة الجولانية لم تعد منطقة امان لحدود اسرائيل الشمالية كما كان حالها خلال السنوات الاربعين الماضية. هو اعلان فقط، اقترن بالاعلان عن النية - النية فقط - في بناء «دولة المقاومة» في سوريا. ولكن دعا الرئيس الاسد التنظيمات الفدائية الفلسطينية الى استخدام الحدود المفتوحة على الجولان - المحتل والمضموم. وسارعت المقاومة الاسلامية في لبنان الى اعلان انخراط قوات حزب الله في «المقاومة الشعبية السورية لتحرير الجولان».
بانتظار طلائع «المقاومة الشعبية السورية لتحرير الجولان»، وردائفها الفلسطينية واللبنانية، ما هو بين ايدينا الآن- من اعلانات - لا يعدو كونه تكرارا لاستراتيجية «الممانعة»: السعي لتحرير الجولان باستخدام «الورقتين» الفلسطينية واللبنانية.
لكن حركة «حماس» صارت بعيدة عن سوريا. والمقاومة اللبنانية العسكرية توقفت عمليا في العام ٢٠٠٠ بعد تحرير الشريط المحتل (خلا مزارع شبعا وتلال كفرشويا والقسم اللبناني من قرية الغجر ). ولقد وقع الانسحاب بعد اسابيع من اللقاء الفاشل بين الرئيس حافظ الاسد والرئيس الاميركي كلنتون في جنيف الذي انتهى قبل ان يبدأ عندما تبّين ان حكومة باراك لم تكن مستعدة للانسحاب الى حدود الرابع من حزيران، بناء على ما يسمّى بـ «وديعة رابين». إنضاف هذا الاعتبار الى الضربات النوعية التي سددتها المقاومة للقوات الاسرائيلية والعميلة ما دفع ايهود باراك الى سحب قواته من الشريط اللبناني الجنوبي المحتل. فكانت المفارقة الغريبة في انتصار التحرير اللبناني انه أفقد النظام السوري وسيلة ضغط عسكرية لتحرير الجولان. ويمكن القول ان ازمة نظام الممانعة بدأت منذ ذلك الحين.
ومع ذلك، بعدما انتصرت المقاومة الاسلامية اللبنانية على محاولة تصفيتها بواسطة الغزوة الاسرائيلية في صيف ٢٠٠٦، عادت دمشق العنوان المناسِب لحصاد النتائج. حينها اكد الناطق بلسان الوفد السوري الى المفاوضات الاسرائيلية-السورية غير المباشرة في تركيا ان المقاومات لا تنتصر بل الدول هي التي تنتصر وتقطف ثمار النصر. ومع ان الغموض لا يزال يلفّ اسباب توقف تلك المفاوضات الا ان الرئيس الاسد، عندما ابدى استعداده، في الاسابيع الاولى من الثورة العودة الى المفاوضات غير المباشرة في تركيا، اضاف ان الاتفاق حاصل بين الطرفين على ٩٨٪ من القضايا. فيمكن التكهن بأن الاثنين بالمئة الباقية لم تكن تتعلق بالجولان المنزوع السلاح والمسموح لمدنيين اسرائيليين بدخوله ولا بتولي الجيش الاميركي محطات المراقبة والانذار المبكرة فيه، ولا هي اصطدمت بعقبة التطبيع الكامل، الدبلوماسي والاعلامي والثقافي، بين الدولتين. يبدو ان الـ٢٪ الباقية كانت لا تزال تتعلق بما يمكن تسميته من الآن فصاعداً «وديعة حافظ الاسد».
واما الرد الثاني على الغارات الاسرائيلية فجاء بمنطق الحرب الاهلية. فإذا رئيس الدولة السورية، بدلا من ان يرى في الضربات الجوية من العدو القومي منسابة استثنائية لدعوة «الاخوة الاعداء » الى وقف التقاتل ورصّ الصفوف في وجه الخطر الخارجي، والتفاوض على تسوية ما، عمل العكس تماما. أدغم العدو الخارجي بالعدو الداخلي واعلن ان «المغامرات الاسرائيلية» هي «أحد أوجه الارهاب والمجموعات التكفيرية». بعبارة اخرى، اعلن ان الاولوية هي لمواصلة الحرب الاهلية نحو الانتصار المستحيل.
من جهة اخري، اعترفُ بأني لم افهم معنى اعلان قيادة حزب الله عن استعداها تسلّم سلاح جديد «كاسر للتوازن» من سوريا. فهل هذا السلاح هو غير السلاح الصاروخي الارضي او المضاد للطائرات (الايراني او الروسي) الذي كانت دمشق تحاول ايصاله الى الحزب اصلا وتلقت لذلك الضربات الاسرائيلية؟ هذا على افتراض اننا نتحدث عن «توازن» بين حزب الله واسرائيل موضوع قابل للنقاش في اقل تقدير. ولا انا فهمت ما الغرض من نقل تلك الاسلحة النوعية الى لبنان ما دامت المهمة المركزية هي الاسهام النشط في الحرب الشعبية لتحرير الجولان، اليس الاحرى ان تبقى على الاراضي السورية لتصدّ الغارات المتوقعة حين تبدأ اسرائيل بالرد على عمليات المقاومة في الجولان؟
وحتى لا نخلط بين أنواع الاسلحة «الكاسرة للتوازن» فكسر التوازن العسكري ليس يناقش الآن في بيروت او دمشق. فقد ادى العدوان الاسرائيلي على دمشق اول اغراضه بأن ادخل الدولة الصهيونية طرفا في الازمة السورية. وفي موسكو يجري البحث بين نتنياهو وبوتين في امكانية صفقة تؤجل او تلغي تسليم صفقة السلاح الصاروخي السوفياتي من طراز إس ٣٠٠ الى الجيش السوري، القادر على التصدي للغارات الجوية الاسرائيلية مثل قدرته على أعاقة اي حظر جوي فعلي على الاجواء السورية، في مقابل وقف الغارات الاسرائيلية على الاراضي السورية.
لم تقرع طبول الحرب بعد، ولا حاجة للاستعجال بالنتبوء بتسويات سريعة. فبديلا من نظرية اضعاف طرفي النزاع السوري المسلّح من اجل اجبارهما على التسوية، يجري تجريب صيغة تعزيز الطرف الاقوى - النظام - على أمل تشجيعه على التفاوض. ومع ذلك فالنتائج ليست باهرة. لقد جرى تأجيل مؤتمر جنيف٢، ويبدو ان ما ضرب الكف بالكف بين كيري ولافروف لم ينسحب حماسا الرئيس اوباما الذي عاد ليذكّر، ومعه كاميرون البريطاني، بأن غرض المؤتمر تنظيم انتقال السلطة من يد الرئيس الاسد.
وبانتظار ان يتضح موقع ايران من التسوية، وهي اول المتضررين من هذا النمط من التدويل، ناهيك عن مواقع وحصص السعودية وقطر المتضاربة، سوف يجري دم كثير في سوريا ولن تمرّ دماء اقتحام بلدة القصير وريفها، اذا ما حصل، دون ان تستطعم المزيد من الدماء في ريف إدلب.
الرد الاول هو اعلان دمشق ان الجبهة الجولانية لم تعد منطقة امان لحدود اسرائيل الشمالية كما كان حالها خلال السنوات الاربعين الماضية. هو اعلان فقط، اقترن بالاعلان عن النية - النية فقط - في بناء «دولة المقاومة» في سوريا. ولكن دعا الرئيس الاسد التنظيمات الفدائية الفلسطينية الى استخدام الحدود المفتوحة على الجولان - المحتل والمضموم. وسارعت المقاومة الاسلامية في لبنان الى اعلان انخراط قوات حزب الله في «المقاومة الشعبية السورية لتحرير الجولان».
بانتظار طلائع «المقاومة الشعبية السورية لتحرير الجولان»، وردائفها الفلسطينية واللبنانية، ما هو بين ايدينا الآن- من اعلانات - لا يعدو كونه تكرارا لاستراتيجية «الممانعة»: السعي لتحرير الجولان باستخدام «الورقتين» الفلسطينية واللبنانية.
لكن حركة «حماس» صارت بعيدة عن سوريا. والمقاومة اللبنانية العسكرية توقفت عمليا في العام ٢٠٠٠ بعد تحرير الشريط المحتل (خلا مزارع شبعا وتلال كفرشويا والقسم اللبناني من قرية الغجر ). ولقد وقع الانسحاب بعد اسابيع من اللقاء الفاشل بين الرئيس حافظ الاسد والرئيس الاميركي كلنتون في جنيف الذي انتهى قبل ان يبدأ عندما تبّين ان حكومة باراك لم تكن مستعدة للانسحاب الى حدود الرابع من حزيران، بناء على ما يسمّى بـ «وديعة رابين». إنضاف هذا الاعتبار الى الضربات النوعية التي سددتها المقاومة للقوات الاسرائيلية والعميلة ما دفع ايهود باراك الى سحب قواته من الشريط اللبناني الجنوبي المحتل. فكانت المفارقة الغريبة في انتصار التحرير اللبناني انه أفقد النظام السوري وسيلة ضغط عسكرية لتحرير الجولان. ويمكن القول ان ازمة نظام الممانعة بدأت منذ ذلك الحين.
ومع ذلك، بعدما انتصرت المقاومة الاسلامية اللبنانية على محاولة تصفيتها بواسطة الغزوة الاسرائيلية في صيف ٢٠٠٦، عادت دمشق العنوان المناسِب لحصاد النتائج. حينها اكد الناطق بلسان الوفد السوري الى المفاوضات الاسرائيلية-السورية غير المباشرة في تركيا ان المقاومات لا تنتصر بل الدول هي التي تنتصر وتقطف ثمار النصر. ومع ان الغموض لا يزال يلفّ اسباب توقف تلك المفاوضات الا ان الرئيس الاسد، عندما ابدى استعداده، في الاسابيع الاولى من الثورة العودة الى المفاوضات غير المباشرة في تركيا، اضاف ان الاتفاق حاصل بين الطرفين على ٩٨٪ من القضايا. فيمكن التكهن بأن الاثنين بالمئة الباقية لم تكن تتعلق بالجولان المنزوع السلاح والمسموح لمدنيين اسرائيليين بدخوله ولا بتولي الجيش الاميركي محطات المراقبة والانذار المبكرة فيه، ولا هي اصطدمت بعقبة التطبيع الكامل، الدبلوماسي والاعلامي والثقافي، بين الدولتين. يبدو ان الـ٢٪ الباقية كانت لا تزال تتعلق بما يمكن تسميته من الآن فصاعداً «وديعة حافظ الاسد».
واما الرد الثاني على الغارات الاسرائيلية فجاء بمنطق الحرب الاهلية. فإذا رئيس الدولة السورية، بدلا من ان يرى في الضربات الجوية من العدو القومي منسابة استثنائية لدعوة «الاخوة الاعداء » الى وقف التقاتل ورصّ الصفوف في وجه الخطر الخارجي، والتفاوض على تسوية ما، عمل العكس تماما. أدغم العدو الخارجي بالعدو الداخلي واعلن ان «المغامرات الاسرائيلية» هي «أحد أوجه الارهاب والمجموعات التكفيرية». بعبارة اخرى، اعلن ان الاولوية هي لمواصلة الحرب الاهلية نحو الانتصار المستحيل.
من جهة اخري، اعترفُ بأني لم افهم معنى اعلان قيادة حزب الله عن استعداها تسلّم سلاح جديد «كاسر للتوازن» من سوريا. فهل هذا السلاح هو غير السلاح الصاروخي الارضي او المضاد للطائرات (الايراني او الروسي) الذي كانت دمشق تحاول ايصاله الى الحزب اصلا وتلقت لذلك الضربات الاسرائيلية؟ هذا على افتراض اننا نتحدث عن «توازن» بين حزب الله واسرائيل موضوع قابل للنقاش في اقل تقدير. ولا انا فهمت ما الغرض من نقل تلك الاسلحة النوعية الى لبنان ما دامت المهمة المركزية هي الاسهام النشط في الحرب الشعبية لتحرير الجولان، اليس الاحرى ان تبقى على الاراضي السورية لتصدّ الغارات المتوقعة حين تبدأ اسرائيل بالرد على عمليات المقاومة في الجولان؟
وحتى لا نخلط بين أنواع الاسلحة «الكاسرة للتوازن» فكسر التوازن العسكري ليس يناقش الآن في بيروت او دمشق. فقد ادى العدوان الاسرائيلي على دمشق اول اغراضه بأن ادخل الدولة الصهيونية طرفا في الازمة السورية. وفي موسكو يجري البحث بين نتنياهو وبوتين في امكانية صفقة تؤجل او تلغي تسليم صفقة السلاح الصاروخي السوفياتي من طراز إس ٣٠٠ الى الجيش السوري، القادر على التصدي للغارات الجوية الاسرائيلية مثل قدرته على أعاقة اي حظر جوي فعلي على الاجواء السورية، في مقابل وقف الغارات الاسرائيلية على الاراضي السورية.
لم تقرع طبول الحرب بعد، ولا حاجة للاستعجال بالنتبوء بتسويات سريعة. فبديلا من نظرية اضعاف طرفي النزاع السوري المسلّح من اجل اجبارهما على التسوية، يجري تجريب صيغة تعزيز الطرف الاقوى - النظام - على أمل تشجيعه على التفاوض. ومع ذلك فالنتائج ليست باهرة. لقد جرى تأجيل مؤتمر جنيف٢، ويبدو ان ما ضرب الكف بالكف بين كيري ولافروف لم ينسحب حماسا الرئيس اوباما الذي عاد ليذكّر، ومعه كاميرون البريطاني، بأن غرض المؤتمر تنظيم انتقال السلطة من يد الرئيس الاسد.
وبانتظار ان يتضح موقع ايران من التسوية، وهي اول المتضررين من هذا النمط من التدويل، ناهيك عن مواقع وحصص السعودية وقطر المتضاربة، سوف يجري دم كثير في سوريا ولن تمرّ دماء اقتحام بلدة القصير وريفها، اذا ما حصل، دون ان تستطعم المزيد من الدماء في ريف إدلب.
COMMENTS