الراحل العفيف الأخضر بقلم : فواز طرابلسي الكاتب والمناضل العفيف الاخضر الذي غادرنا منذ ثلاثة ايام رجل عاش وناضل وكتب خارج السرب....
الراحل العفيف الأخضر |
بقلم : فواز طرابلسي
الكاتب والمناضل العفيف الاخضر الذي غادرنا منذ ثلاثة ايام رجل عاش وناضل وكتب خارج السرب. ولد لدى أسرة فلاحية فقيرة تعارفنا في باريس وانا على أهبة السفر الى ثورة ظفار العام ١٩٧٠. وكان سبقني وزار معسكراتها ولم يكمل الرحلة في المنطقة المحررة: «الثعبان» قال «العدو الرئيسي في ظفار هو الثعبان لا الانكليز». ولم تكذّب زيارتنا تحذير العفيف. تزاملنا في «دار الطليعة» وفي مجلة «دراسات عربية» بإدارة ذلك الانسان الاستثنائي بشير الد...اعوق.
نادراً ما إتفقنا. ومع ذلك نشأت علاقة وتوطدت مع انه كان يرى الينا على اننا يساريين إصلاحيين. ومع ذلك، لما جرّبنا الاصلاح والتغيير، إستهول المحاولة وأدانها. إقتحم علينا مكتب مجلة «الحرية» مطلع الحرب الاهلية صارخا: «تريدون ثورة في لبنان؟ تريدون تغيير البلد الذي يستضيف أمير الكويت والعفيف الاخضر؟!».
غادر بيروت خلال الحرب. تجددت اللقاءات في باريس في التسعينات. نشر حينها مقابلة استشرافية في مجلة «زوايا» التي أصدرتها وجوزيف سماحة. خالف التهليل السائد عقب انتصار الثورة الايرانية. وجد في ثورة الخميني انبعاثا للسلفية، لا مطلع عهد اسلامي زاهر بل ارهاصا بنظام «إسلامي تفتيشي». وفيما الرأسمالية تحتفل بانتصارها المبين مع انهيار الاتحاد السوفياتي، رأى العفيف ان العالم ولج عصر الازمة الدائمة للرأسمالية. وتكهن بأن سباق التسلّح سوف يزداد وسوف تتسع رقعة الحروب الاهلية على خطى السابقة اللبنانية.
إنقطعنا واحدنا عن الآخر عند عودتي للبنان منتصف التسعينات. تقطعتْ متابعتي للعفيف وقد إنقلب خلالها الى عقلانية تنويرية أكاد ان أسمّيها «أصولية».
ومع ذلك، هذه شهادتي: لم أقرأ للعفيف الاخضر نصّا لم يحفزني على التفكير والمراجعة. لم اقرأ له نصا إلا وزادني قلقا... وعلما. هذا هو الرجل المترهّب، اللاذع والمشاغب، النقدي، اللامع الذي خسرنا.
منذ ايام، فوجئت بوصول ايميل منه يحوي نسخة إلكترونية لكتابه الاخير «من محمد الايمان الى محمد التاريخ». حملتْ الرسالة هذه الكلمات: «عزيزي فواز، انا متعب هذا كتابي الاخير، شكرا. العفيف الاخضر».
Cher Fawwaz Je suis fatigué voici mon dernier livre. Merci, Lafif LAKHDAR
فوجئت وسررت لمبادرته الاتصال. حزنت لّما علمت انه مريض ولم اكن أدري خطورة مرضه. قلت أقرأ الكتاب واكتب له. أخذ حياته بيده ولمّا أتممت القراءة. قرأتُ نعيه في الصحف. الآن أفهم تعبه. ليس المرض.
أدركت متأخراً انه كان يودّعني. وانا اريد ان اقول له «شكرا».
في الريف التونسي ومع انه حصٌل تعليما الا انه ظل يتعلّم على نفسه العمر كله. عاش زمن الثورات وثار مع الثوار بل حلم بخلاصية تقول إما الثورة عالمية وإما دمار البشرية. شارك في الثورة الجزائرية وكان احد «الخبراء الحمر» الذين ألهموا تجربة التسيير الذاتي في الزراعة في عهد أحمد بن بلله. وإنضم الى المقاومة الفلسطينية زمن بيروت وسعى لبناء التنظيمات الثورية فيها. متمكّن من تراثه العربي الاسلامي قدر تمكنه من الثقافة الاوروبية. ماركسي نقدي مستقلّ على طريقته وعدو سافر للستالينية مع انحياز كبير لأطروحات روزا لوكسمبرغ.
COMMENTS