هذا الصباح، شد انتباهي تجمع محموعة من المتسوقين لسوق الأحد بالمحمدية أمام محلات الجزارة. هناك تدافع وتسابق غير عادي بالقرب من الم...
سوق الأحد، الذي يقع بضواحي المحمدية، هو أحد الاسواق الاسبوعية التقليدية الكبرى بمنطقة الشاوية ورديعة. وقد انتقل في الثمانينات من القرن الماضي، من وسط المدينة الى منطقة بني خلف ( اللويزية ) في صفقة تمت في عهد ادريس البصري لصالح اقليم ابن سليمان الفتي أنذاك. ولازال يحافظ على طابعه القروي، على الرغم من أنه أصبح مشهورا ومتخصصا في الاجهزة الالكترونية التي يجلبها المهاجرين معهم أثناء عودتهم الصيفية، أومن طرف تجار "الكونتربوند" العابرين للحدود المغربية، خاصة قطع السيارات والدراجات بمختلف أصنافها.
هذا الصباح، كانت الطريق الوحيدة المؤدية للسوق، مختنقة بسبب عرض الأكباش
على جنبيها، وهذا يعني أن رحبة الغنم، المكان المخصص لعرض المواشي والابقار، كانت مزدحمة بدورها.. وتحولت هذه الطريق الممتدة على مسافة كيلومتر عن مركزالسوق ، الى سوق موازية مرتبطة بالنحر: سكاكين وقطبان واليات للشي والقطع والسلخ، وأحبال من القنب أو البلاستيك وأغطية لسطح المنازل (باشات ) .. اضافة طبعا الى علف الاكباش من تبن وجلبانة ..
على جنبيها، وهذا يعني أن رحبة الغنم، المكان المخصص لعرض المواشي والابقار، كانت مزدحمة بدورها.. وتحولت هذه الطريق الممتدة على مسافة كيلومتر عن مركزالسوق ، الى سوق موازية مرتبطة بالنحر: سكاكين وقطبان واليات للشي والقطع والسلخ، وأحبال من القنب أو البلاستيك وأغطية لسطح المنازل (باشات ) .. اضافة طبعا الى علف الاكباش من تبن وجلبانة ..
يمكن القول ان العديد منا نحن المغاربة، باختلاف انتماءاتنا الاجتماعية والثقافية ..لم نتحرر بعد من الطقس الذي تفرضه شهوانية الدم واللحم التي تركها جدنا ابراهيم، وان العديد من الاسر " كتبرد هوايشها في اللحم" فقط في مناسبة العيد ؟
لن نتساءل عن الملامح الدينية والاجتماعية لهذا العيد الذي يحمل اسم " الاضحية " هل هو فعلا صلة وصل بين المقتدر والمحتاج وباعثا من بواعث التضامن والتبرع ومساعدة الفقراء؟
على العكس من ذلك، وبكل اطلاقية، يعتقد الغالبية من الناحرين أن "كل الناس (محتفلة بكبشها) ومن الصعب أن تجد أحدا يمكن أن تقاسمه خروف عيدك" ؟ انه التبرير السطحي التي يخفي وراءه الفرد شهيته المبطنة للحم؟ خاصة وأن ثقافة استهلاك "الميني هومبوغر" أو سندوتشات الديك الرومي، جعلت الناس يقبلون عليها لادخار جزء من مداخيلهم لكماليات الحياة العصرية؟
بتركيا حيث يوجد على رأس حكومتها حزب اسلامي، أفتى مفتي الجمهورية السنة الماضية، بأفضلية الاستغناء عن شراء الاضحية اذا كان الغرض من ذلك هو التبرع بثمنها للجمعيات ذات الاهداف الخيرية والاجتماعية. وقد عالجت هذه الفتوى جينها، مشكل تكدس الاف اطنان اللحوم التي يتصدق بها المواطنون للجمعيات ويكون مصيرها التلف بسبب صعوبة تخزينها.
بالنسبة للاتراك، لم يعد العيد هو اشباع الرغبة الجامحة في اكل اللحوم، وبدوره لم يعد فعل الخيرمرتبطا ب " تعمار الكرش" ؟ تطور المجتمع التركي ونمائه، وهذا فضل من فضائل العلمانية التي أوصلت أردوغان لسدة الحكم في هذا البلد الاسلامي، أصبحت هناك أوليات أهم بكثير من اشباع المعدة، يفرضها تطورالعصر الحاضر، فالبشر لم يعودوا في حاجة لتلبية المطالب البيولوجية، بقدرما هم في حاجة الى مشاريع ومبادرات تؤهلهم للتمكن من اشباع هذه الحاجات، وهذه المشاريع تتطلب مصاريف وميزانيات ..
واقع عنيد لا يمكن نكرانه، العيد رغم التعاليم الدينية، هو الفرصة الوحيدة التي يتم اقتناصها لشفاء الغليل من اللحم المشوي والمبخر .. ويعلل البعض ذلك، بغلاء أثمنة اللحوم طول السنة، التي ليست في متناول الغالبية من الاسرالموعزة. هذا صحيح ولكن؟ اقتصاديا، تحافظ أثمنة اللحوم على تسعيرتها المرتفعة نتيجة للضغط المفرط على المخزون اللحمي في مناسبة عيد الأضحى، ما يجعل أثمنة اللحوم في الشهور الباقية مرتفعة لاختلال توازن الغرض والطلب؟
الدورة الاقتصادية التي يولدها العيد، تنتج ما يكفي من الاليات التي تعيق تحديث وعصرنة الاقتصاد المغربي، أو على الاقل تحول دون تحول اقتصاد العالم القروي الذي يهم نصف الكتلة البشرية بالمغرب. فالأطنان من مادة الصوف والجلد مثلا، اما تضيع أو تستعمل لاغراض منزلية كالسجاد مثلا، أو انها تضخ لتقطير الروح في الصناعات التقليدية التي تحافظ على منطق العائلة والعشيرة. في الوقت الذي ينتعل المغاربة أحذية عصرية مستوردة معظمها مستعمل. ان الرواج الذي يخلقه هذا الاقتصاد هو عبارة عن مسكن ظرفي لذوي الوظائف الموسمية ..
ان اخفاء هذه الحقائق وعدم طرحها للنقاش، بحجة اتباع السنة الحميدة، لا يخدم في نهاية الامر الا تجار المناسبة بدءا من معلفي الخرفان وانتهاءا عند مؤسسات القروض التي أصبحت" تشنق " زبنائها كما تشنق الخرفان بالاسواق؟ والضحية هو الفلاح الكساب، الذي لا خيار له الا أن يطأ الرأس لهذه السوق التي تمتص فائض انتاجه، وايضا المواطن الذي لا مفر له من اكراهات العيد؟ ( أعرف بعض الاسر تنحر الاكباش وتتركها في الثلاجة الى أن ترميها للقطط والكلاب .. لان أفرادها امتنعوا عن أكلها؟).
كما يخدم العيد بشكل غير مباشر، استمرار البنيات التقليدية، باعتباره ألية تنفيس كبرى تربط أعضاء المجتمع المغربي بالثقافة التقليدية التي تدوب فيها - شكليا - الفوارق الاجتماعية والطبقية، بحيث يصبح اولاد عبد الواحد كلهم واحد ؟
فمادام غالبية الناس لا يتصدقون بأضحيتهم، وهو أمر لا يمكن انكاره، الا اذا اعتبرنا " تبرع" بعض الجماعات المتسرة بالدين، هو حسنة بدون مقابل، وهذا أمر لا يصدقه عقل، لان الغاية من وراء ذلك التبرع هو حشد الانصار والموريدين ..تماما كهدايا ذوي السلطة والنفوذ والجاه، التي توزع حفاظا على مراكزهم ومواقعهم الاجتماعية.. فان العيد بافراحه ومآسيه وأسواقه ومستثميريه الاقتصاديين والسياسيين.. أصبح حقا ظاهرة مثيرة للتساؤل ؟
محمد السلايلي
سوق الاحد يوم ٣٠ اكتوير 2011
سوق فضالة بالمحمدية سنة / 1958 - 1956
COMMENTS