قيل"إن العالم الثالث اكتشف ذاته وخاطب نفسه بصوت فرانز فانون". فقد قلب هذا المفكر الماركسي ، الذي جمع بين التنظير والممارسة ...
قيل"إن العالم الثالث اكتشف ذاته وخاطب نفسه بصوت فرانز فانون". فقد قلب هذا المفكر الماركسي ، الذي جمع بين التنظير والممارسة من خلال مشاركته في حرب التحرير الشعبية بالجزائر، العديد من يقينيات الماركسية اللينينية. ومساهمته كانت واضحة في دراسة البنيات الكولونيالية، تجاوز فيها ثنائية الاستعمار و الخاضعين للاستعمار. وتكمن هذه الإضافة، في أنه رفض " الجدل" الذي اعتبر مرور دول العالم الثالث من الاستعمار ضرورة تاريخية لتحول المجتمعات نحو الحداثة والاشتراكية
بالنسبة لفانون، فان أحد هذين الطرفين زائد ويجب أن يزول. وهذا الزوال عليه ان يكون تاما و شاملا وبلا رجعة : " إن محو الإستعمار على أي مستوى درسناه هو إحلال نوع انساني محل نوع انساني آخر كليا شاملا مطلقا بلا مراحل انتقال
ويذهب فانون بعيدا في تحليله ليؤكد أنه لا وساطة بين طرفي العالم الكولونيالي، وأن الحدود الفاصلة بينهما هي الثكنات ومراكز الشرطة والدرك، لأن هذا العالم مطلوب منه أن يقى منقسما الى عالمين والا ما عاد عالما كولونياليا
لقد مثلت المدن بالنسبة لكارل ماركس الحضارة التي يمكن أن تقضي على حياة البلادة للقرووين. أما بالنسبة لفانون فهي على العكس، فمدن المستعمرات هي رمز الغزو الكولونيالي، وهي الدودة الزائدة التي من خلالها يغرس المستعمر اليات تحكمه، كما انها هي رمز نجاحه و تعايشه مع الخاضعين لسيطرته
وجهت انتقادات عديدة لفانون، وغالبيتها ركزت على انحيازه للفلاحين ولثقافتهم . والواقع أن فانون لم ينظر للفلاح بعين ماركس، اي ذلك الانسان المحافظ المرتبط بأرضه الصغيرة و التي تنتهي عندها حدود الوطن بالنسبة اليه. ففلاح فانون هو انسان معذب و في عذابه تتجسد مهانة الأمة بإسرها.ذ، إن انتماؤه للأرض هو انتماء قومي للأمة باسرها
فالأرض بالنسبةا لفانون، تمثل القيمة الملموسة والثابتة الوحيدة التي تدل على هذه الأمة، فهي رمز الخبز والكرامة واستمرار النسل في عالم كولونيالي مزق فيه المستعمر البلد لشطرين وحطم شخصيته القومية وشوه جميع قيمه الروحية والاجتماعية المتوارثة.
لذلك فاالفلاح بالعالم الثالث هو فلاح ثوري يمثل العنصر الباقي من الامة الذي يابى اي حوار مع المستعمر، عكس سكان المدينة التي أنشأها الاستعمار لتؤمن نوعا من التعايش معه و تأمين وجوده بوجودهم. و من هنا يرى فانون أن الطبقة الثورية الوحيدة في المجتمع الكولونيالي هي طبقة الفلاحين، متناقضا بشكل جذري مع كل التصورات المتوارثة عن الماركسية
يبقى ان نشير، أن فانون لا يرفض الماركسية، كما انه لم يسعى الى تحويل استنتاجاته النظرية الى مذهب شعبي، بقدرما سعى الى تكملة التحليل الماركسي من خلال تطبيق نفس المنهج على العالم الكولونيالي، الذي تختلف فيه مسارات شعوبه ومجتمعاتها عن المسار الاوروبي الذي نشات فيه الماركسية.
نبذة عن الكاتب
- فرانز فانون (20 يوليو 1925 - 6 ديسمبر 1961) طبيب نفسانيّ وفيلسوف اجتماعي أسود، من مواليد فور دو فرانس - جزر المارتنيك، عرف بنضاله من أجل الحرية وضد التمييز والعنصرية.
- شارك في الحرب العالمية الثانية وأصيب فيها بجروح ، فتم تسريحه ، ثم عاد لجزر المارتينيك حيث أكمل دراسته وحصل على البكالوريا ، ثم التحق بالمرسة الطبية بمدينة ليون حيث تخصص بالطب النفسي.
- عمل في الجزائر كطبيب عسكري ، ومع الوقت اصبح من المنادين باستقلال الجزائر ثم انضم لجبهة التحرير ، واستقال من عمله ، ثم غادر إلى تونس حيث عمل طبيبا في "منوبة" ، بالاضافة لمهمات أخرى عسكرية ودبلوماسية وصحفية أُسندت إليه.
- اكتشف اصابته بسرطان الدم في 1960 ، فأيقن بدنو أجله مما جعله يُملي هذا الكتاب على زوجته والذي فرغ منه في يوليو 1961، وفي شهر نوفمبر رأي النسخة الاولى من هذا الكتاب. توفي في 6 ديسمبر 1961
كتاب يظل ملهما للمتهضدين وان تعددت وتبدلت اشكال الاستعمار والاتطهاد
ردحذف