يتسائل العديد من الناس عن الدافع الذي يجعل أفراد من الجيش يمارسون أبشع أنواع القتل والتعذيب ضد أبناء شعبهم. فوظيفة الجيش هي حماية الحدود و...
يتسائل العديد من الناس عن الدافع الذي يجعل أفراد من الجيش يمارسون أبشع أنواع القتل والتعذيب ضد أبناء شعبهم. فوظيفة الجيش هي حماية الحدود والبلد من الأعداء الخارجيين أو هكذا يفترض أن تكون كما هو سائر في المجتمعات الديمقراطية، غير أنه منذ القدم، ارتبطت الجيوش بالحكام والسلاطين المستبدين واستعملت للاطاحة أو للوصول الى السلطة وسحق المعارضين. وغالبا ما كان يعتمد السلاطين على مجموعات بشرية أجنبية عن التركيبة البشرية لمجتمعاتهم لارهاب واخضاع الشعوب لمشيئتهم، أو للقيام بغزوات ضد أمم مجاورة لضمها تحت نفوذهم ( بالمغرب جيش بخارى على سبيل المثال كان مصدر استيلاء وتوسع حكم السلطان اسماعيل الذي أخضع به جل القبائل والزوايا المتمردة لحكمه )، ما يفسر أبضا شراسة قتال هؤلاء بسبب انصياعهم التام لتنفيذ أوامر قادتهم وتحررهم من أي انتماء أو روابط مع خصوم السلاطين. هذا الأسلوب، هو ما رأيناه مؤخرا في ليبيا من خلال تجنيد مرتزقة أجانب لسحق الثورة الليبية. التاريخ الاوروبي الحديث يمدنا بمعطيات وشروح لفهم هذه الظاهرة من زاوية أخرى، حيث تلازمت نشأة الديكتاتوريات الحديثة مع انقسام المجتمع الاوروبي خلال القرن 19 بسبب الثورة البورجوازية، الى شطرين : المدينة الحديثة بفكرها التحرري و حضارتها العقلانية المتنورة والبادية التي تشكل إرث استمرار الماضي الإقطاعي التقليدي الرجعي. فاستغل الديكتاتوريون هذا التناقض لبناء قوى عسكرية من أبناء الأرياف والقرى والمسحوقين اجتماعيا للانقلاب واستيلاء على السلطة ودحر معارضيهم. بالعالم العربي، الذي أخضع تحت حكم الانتداب البريطاني والفرنسي، تبدو هذه العلاقة بين أبناء البادية والجيوش الرسمية واضحة. في حرب فرنسا ضد هيتلر أو بالهند الصينية جندت الحماية الفرنسية بالمغرب الغالبية من أبناء الفلاحين لقتال أبناء مجتمعات مستعمرة أخرى. وفي مطلع الخمسينات استعان نفس المستعمر بأبناء السينيغال القرويين لمواجهة انتفاضة الشعب المغربي بكبريات المدن خاصة مدينة الدار البيضاء . ان التركيبة البشرية لجيوش الأنظمة العربية المستبدة حافظت الى حد ماعلى نفس الاستراتيجية، تقريبا على نفس النموذج الذي اتبعته الادارة الاستعمارية لاركاع شعوب المنطقة، حيث سيتم استغلال الحقد الدفين للقرووين اتجاه سكان المدن 1 وشحنهم بأن هؤلاء المدنيين هم سبب الفتن والمشاكل التي يعيشونها من تهميش و سوء أحوال المعيشة
بالاظافة لهذه العوامل التاريخية والاجتماعية، استجدت عوامل أخرى بفعل التطور الذي أصبحت تعيشه شعوب المنطقة. ورغم كل التحولات الهائلة التي شهدتها هذه المجتمعات تحت سلطة الاستبداد والديكتاتورية المقنعين بالعصرنة والتحديث، فإن سياسة اذكاء النعرات الطائفية والعرقية والجهوية لازالت تجد في تربتها الاجتماعية ما يجعلها سياسة ناجعة لتقسيم المكونات الشعبية وضرب بعضها ببعض..ما يفسر نسبيا ما نشاهده اليوم من جرائم ومجازر يرتكبها عساكر ينتمون لنفس المجتمع ولنفس الشعوب بلا رحمة ولا شفقة. فالعسكر يمارسون قذارتهم لصالح الأسياد والديكتاتوريين الذين يستفيدون من انقسامات مجتمعاتهم وتناقضاتها لتأمين استمرار قبضتهم الحديدية على مقاليد الحكم
سياسة تفقيرالجماهير الفلاحية وعزلها عن باقي مكونات المجتع، واستمرار البنيات الاجتماعية والذهنية التي تساهم في فصل بعضهم عن بعض، تعد عاملا رئيسا واحتياطا سياسيا وعسكريا لقوى الاستبداد والديكتاتورية. وهذه الحقيقة، سبق لكارل ماركس أن فسربعض عناصرها في كتابه " الثامن عشر من برومير لويس بونابارت" 2 أثناء زيارته لفرنسا، بحيث يعد هذا الكتاب، ولا يزال، مرجعا أساسيا لفهم هذا التناقض رغم مرور حوالي قرن ونصف عن صدوره.
لقد انتبه ماركس للاقصاء الذي يعانيه الفلاحون الصغار وانعزالهم عن حركية المجتمع، والى محدودية الروابط التي تجمعهم وهشاشة أشكال التنظيم والتحالفات فيما بينهم مما يسهل عملية اخضاعهم والتحكم في مصائرهم. ويستنتج ماركس أن تقارب مصالح الفلاحين وتشابهها لا يخلق أي وحدة فيما بينهم، بل بالعكس، بسبب فنمط انتاجهم يجعلهم خصوما لبعضهم البعض.سلط ماركس الضوء، من خلال ربطه بين بونابارت المستبد بالسلطة بالفلاحين الصغار،على الآليات والعوامل التي تفصل الفرد أو الجماعة عن جذوره الاجتماعية
الفلاحين الصغار بالنسبة لماركس* هم مجموعة هائلة من البشر، يعيش أعضاؤها في أوضاع متمائلة دون أن يتحدوا فيما بينهم عن طريق علاقات منتظمة. إن نظام الإنتاج السائد بينهم يعزل بعضهم عن بعض عوض أن يخلق بينهم علاقات التبادل والتضامن المستمر. ومما يزيد في انعزال الفلاحين الصغار، ما اتسم به المجتمع الفرنسي من ضعف وسائل التواصل والنقل من جهة، وفقر الفلاحين من جهة أخرى. إن نظمهم الإنتاجية لا تفتح المجال لأي تقسيم للعمل ولا لإي استعمال للمناهج والتكنولوجيات العلمية الحديثة، وبالتالي، لا تفتح المجال لتنوع أشكال التطور وتنوع المهارات والكفاءات وتعميق العلاقات البشرية
كل عائلة من الفلاحين الصغار تعتمد تقريبا على ذاتها. وهي تنتج الجزء الكبير مما تستهلك، لذلك تحصل على موارد عيشها عن طريق التبادل مع الطبيعة أكثر ما تحصله عن طريق التبادل والتجارة داخل المجتمع
أينما أتينا، دائما وصف ماركس للفلاحين بفرنسا القرن 19 ، سنجد قطعة أرضية فيها فلاح وعائلته وبجوارها قطعة أخرى يعيش فيها فلاح أخر وعائلته. تشكل بضعة عشرات من العائلات قرية. ونشكل بضعة عشرات من القرى إقليم. وهكذا، فإن الغالبية من الشعب الفرنسي تتكون من جمع بسيط لوحدات لها نفس الإسم ( أسرة، قرية، إقليم ) تقريبا على نفس الطريقة التي يشكل فيها كيس مملوء بالبطاطيس كيسا للبطاطيس. على اعتبار أن هناك ملايين من العائلات الفلاحية تعيش في ظروف اقتصادية تعزلها عن باقي الطبقات على مستوى نمط العيش والمصالح والطموحات وأيضا على مستوى أنواع التركيبات التي تتضمنها وتتصارع فيما بينها بصفة تجعل كل طرف يحول الطرف الأخر الى خصم. الفلاحون الصغار يشكلون طبقة في ذاتها 3 ولكنها لا تشكل طبقة لذاتها 4 باعتبار أنه لا يوجد بين الفلاحين الصغار إلا روابط محدودة على الصعيد المحلي وأن تشابه أو تقارب مصالحهم لا يخلق أي وحدة بينهم ولا يخلق أي أدوات للتنسيق والعمل المشترك والتنظيم السياسي. وهنا يستنتج ماركس أن الفلاحين غير قادرين عن الدفاع عن مصالحهم الطبقية باسمهم الخاص بصفة مباشرة، ولا عن طريق اللجوء الى البرلمان أو جمعيات وطنية. بل يجزم أنه لا يمكنهم أن يمثلوا أنفسهم بالاعتماد على ذواتهم ويتعين عليهم البحث عن من يمثلهم. أما ممثلوهم فيتعين عليهم عليهم في نفس الوقت أن يقدموا أنفسهم للفلاحين كما لو كانوا أسيادهم أو يملكون سلطة عليا تتجاوزهم أو كسلطة حكومية لها صلاحيات مطلقة تجاهم وتقوم بجمايتهم من جور الطبقات الأخرى وتمنحهم عندما تريد ذلك، المطر أو الطقس الملائم، وبالتالي يستخلص ماركس في هذا التحليل الدقيق، أن الثأثير السياسي للفلاحين الصغار سيجد أقوى تجلياته في خضوع المجتمع للأجهزة المركزية وخضوع الفلاحين لممثليهم
هوامش
Karl Marx : Le 18 Brumaire de Louis Bonaparte,ed.Sociale,Paris,P:188 -189 *
1فرانز فانون سيقلب هذه القراءة في كتابه " معذبو الأرض" ومن خلال تجربته بجانب جبهة التحرير الجزائرية، سينظر- للفلاحين نظرة مغايرة
3- classe en-soi
4- classe pour-soi
La peur n'évite pas le danger, tout au contraire !
"Comment la lutte de classes en France créa des circonstances étranges et une situation telles qu'elle permit à un personnage médiocre et grotesque de faire figure de héros...
La tradition historique a fait naître dans l'esprit des paysans français la croyance miraculeuse qu'un homme portant le nom de Napoléon leur rendrait toute leur splendeur. Et il se trouva un individu qui se donna pour cet homme, parce qu'il s'appelait Napoléon, conformément à l'article du code Napoléon qui proclame : "La recherche de la paternité est interdite". Après vingt années de vagabondage et une série d'aventures grotesques, la légende se réalise, et l'homme devient empereur des Français. L'idée fixe du neveu se réalisa parce qu'elle correspondait à l'idée fixe de la classe la plus nombreuse de la population française. Mais, objectera-t-on, et les insurrections paysannes dans la moitié de la France, et les expéditions militaires contre les paysans, l'incarcération et la déportation en masse des paysans ? Depuis Louis XIV, la France n'a pas connu de semblables persécutions des paysans "pour menées démagogiques". Mais entendons-nous. La dynastie des Bonapartes ne représente pas le paysan révolutionnaire, mais le paysan conservateur ; non pas le paysan qui veut se libérer de ses conditions d'existence sociales représentées par la parcelle, mais le paysan qui veut, au contraire, les renforcer ; non pas le peuple campagnard qui veut, par son énergie, renverser la vieille société en collaboration étroite avec les villes, mais, au contraire, celui qui, étroitement confiné dans ce vieux régime, veut être sauvé et avantagé, lui et sa parcelle, par le fantôme de l'Empire. La dynastie des Bonapartes ne représente pas le progrès, mais la foi superstitieuse du paysan, non pas son jugement, mais son préjugé, non pas son avenir, mais son passé, non pas ses Cévennes, mais sa Vendée."
>> Lire la suite en pdf
COMMENTS